من بين 29.069 حريقا مسجلا في لندن بين 1833-1866، ارتبط 34 حريقا فقط بالقراءة في السرير بينما كانت القطط مسؤولة عن نسبة مماثلة من حوادث الحرائق.
لقد أثارت القراءة في السرير جدلا كبيرا في وقت من الأوقات لأنها كانت سلوكا جديدا: في الماضي، كانت القراءة ممارسة جماعية وشفوية، بينما كانت القراءة الصامتة نادرة وجديدة. نستدل على ذلك من كتاب الاعترافات لأوغسطين، وهو يعبر عن دهشته من رؤية سان أمبروس يلتقط معاني النصوص بإجالة نظره عبر الصفحات، حتى عندما "كان ساكن الصوت ثابت اللسان".
حتى القرنين السابع عشر والثامن عشر، كان يعتبر جلب كتاب إلى السرير امتيازا نادرا يختص به أولئك الذين يجيدون القراءة، أو من يمتلكون امتياز الوصول إلى الكتب والوسائل ليكونوا بمفردهم. فقد غير اختراع آلة الطباعة من القراءة الصامتة لتصير أمرا متعارفا عليه، ومرتبطا بمفاهيم الخصوصية والحرية الشخصية التي كانت قد ظهرت للتو آنذاك. بحلول القرن السابع عشر، كانت القراءة المنفردة قد أصبحت ممارسة شائعة، وعادة ما كانت الكتب توضع في غرف النوم عوض غرفة الجلوس أو الدراسة.
في هذه الأثناء، كانت غرف النوم تمر بتغيير أيضا. أصبح نشاط النوم نفسه أقل اعتمادا على المؤانسة وأشد انفرادية. ففي القرنين السادس عشر والسابع عشر، حتى الشخصيات الملكية افتقرت إلى الخصوصية التي يعتبرها أفراد الزمن الحالي أمرا مفروغا منه، عند حلول الليل. لدى أسرة تيودور، الأسرة الويلزية التي حكمت إنجلترا في القرن السادس عشر، كان في وسع الخادمات النوم قرب السرير أو الاندساس تحت الملاءات مع فتيات الطبقة الملكية لتدفئتهن.
لم يكن الخطر الذي سلطته القراءة على السرير نابعًا من الخوف من إضرارها بالحياة أو الأملاك، وإنما بسبب التلاشي الملحوظ للثوابت التقليدية. التغييرات التي طرأت على القراءة والنوم عززت من الاكتفاء الذاتي، وهو حجر الأساس في أسلوب تفكير عصر الأنوار. هذا الموقف الجديد حلَّ وثاق فرد القرن الثامن عشر من المجتمع، من بيئة اجتماعية تنتشر فيها القراءة الشفوية وعادات النوم الجماعي وتطمر الفرد في جماعة.
خشي الناس من أن تولد القراءة المنفردة حياة خاصة، خيالية تهدد الجماعة؛ بالأخص في أوساط النساء. النائم المنفرد بنفسه ينام ليلا وقد تشبّع خيالات عالم آخر، مكان يعرفه وحسب من خلال الكتب. خلال النهار، كانت فتنة الأدب التخييلي تغوي النساء بالبقاء في السرير بهدف القراءة، وهو ما كان يعرض التزاماتهن الاجتماعية للخطر.
عادة التحولات الاجتماعية يرافقها التخوف الأخلاقي. فالإنترنت، الذي قلب طريقة تفكير البشر وتواصلهم مع بعضهم بعضا، هو النسخة المعاصرة من ظهور القراءة السريعة، بخيرها وشرها. لكن قراءة ما قبل النوم حاليا محل تحذير عوض أن تكون في مكانتها المفترضة. "على المرء الإقرار بانتصار الشاشة"، قال الروائي فيليب روث لصحيفة لوموند في 2013. "لا أذكر أن ثمة حزنا في حياتي يقترب من حزني لحال الكتب اليوم، بهذا الكم الذي تحتاجه من تركيز عنيد وتجميع متتابع. وسيكون الأمر أسوأ في السنوات القادمة، وأشدّ سوءا فيما بعدها".
ولعل روث محق؛ لأن التركيز العنيد والتجميع المتتابع يتطلبان العزلة. لكن لسخرية القدر، فإن قلق روث في القرن الحادي والعشرين هو بالتحديد ما يخالف قلق القرن الثامن عشر. اليوم، عندما يهجع الناس إلى أسرتهم ليلا، ينبثق لفيف من الأصدقاء والغرباء من شاشاتهم. التواصل الاجتماعي هو بالكاد مشكلة عندما يتعلق الأمر بالقراءة في السرير. اليوم، المشكلة تكمن في أن المرء لم يعد بوسعه القيام بذلك بمفرده.
0 تعليقات