الكتابة هي الملاذ الوحيد للعقل ليبوح
بكل مايدور فيه من الأفكار والهواجس والمخاوف التي تؤثر على باقي أعضاء الجسم
بداية من القلب إلى جفاء النوم للعين. لم تكن يوما الكتابة بهذه السهولة ولكنها
ليست بالصعبة أبدا على من عرف كيف يربط شرايين أصابعة بشرايين دماغه وسالت أفكاره
عبر الدماء ليسيل حبر قلمه ببحر الكلمات الهادرة وامواج آرائه العاتية لتعصف
باوراقه وحينها يرمي أشرعته ليوجه سفينة أفكاره نحو شواطئ قراءه ويرسو على موانئ
قلوبهم ويصدر بضاعته التي بذل الغالي والنفيس من عمره وسهر ليله حتى تكون جاهزة
للتسليم والاستخدام. نعم إنهم الكتاب يحملون رسالة عظيمة للبشرية وهل غير الكتابة
والقراءة والكتاب من سيغر العالم، إنها الكلمات تتفوق على أعظم الأسلحة، أليس
الحروب تنتهي بمعاهدة عبارة عن حروف وكلمات وتبقى هي الحد الفاصل بين الموت
والحياة.
يذكر عن الكاتب أونورية دي يلزاك الكاتب الفرنسي وصاحب كتاب الكوميديا الإنسانية
فقد استهلك خمسون الف فنجان قهوة لكتابة هذه الكوميديا التي كشف لنا خفايا الشخصية
الإنتهازية التي تحاول أن تنتهز أي فرصة في تحقق أهدافها دون النظر إلى أهداف
غيرها ،وكان لا يكتب إلا على أوراق زرقاء حتى لايتعب نظرة ، بل وصل فيه الحال أن
يتناول قهوته مخلوطة بثلاث أنواع (البوربون، المارتينيك، الموكا). عادة مايعيش
الكتاب حالة إنسانية صعبة تتحول هذه المأساة إلى أعمال إبداعية تتخطى المألوف
وتعطي القراء مساحات جديدة ليعشوا فيها لقضاء فترات علاج لآلامهم ولترميم ماتكسر
منهم في مسيرة حياتهم.
الكتَاب الذين يعملون بجد هم من تخرج
منهم الكلمات لتصل إلى القلوب مباشرة دون وسطاء. ألم تحول الكتابة الكاتبة
الفرنسية لأمانتين أورو المعروفة بالإسم المستعار "جورج صاند "
مآساتها بالطلاق من زوجها وتسخير حياتها لآولادها لتقدم للقراء روايات مقتبسة من
تربيتها لأولادها وكانت مرهفة الحس وعالية العاطفة.
ونرى الكاتبة الدينماركية كارين
يليكسون وبعد وفاة زوجها التي أحبته جدا فحبست نفسها في بيتها وبدات الكتابة
الإبداعية لتخرج من آلامها وخرجت لنا برواية "الحكاية الغوطية والمزرعة
الأفريقية" .
مهنة الكتابة مثل أي مهنة في العالم
لها أسرار وملكات ولها رواد وتابعين وموهوبين ومقلدين ، عالم الكتابة منذ أن عرف
الإنسان طريقه لكتابة مايريده بحروف مترابطة لتشكل كلمات وجمل، تطورت جيلا بعد جيل
منذ إلياذة هوميروس والأوديسة والتي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد ، وصن تزو
الصيني صاحب فن الحرب التي لا تزال على رفوف العديد من ضباط العسكرية الحديثة، والمختارات
الأدبية لكونفوشيوس ولاو تسي تشينج في الأقوال والأمثال قٌدمت بشكل أكثر مباشرة
وتعليماً. حوارات أفلاطون الذي حول
الأخذ والعطاء في الأستجواب السقراطي إلى صيغة مكتوبة. وأرسطو تلميذ أفلاطون كتب
العشرات من الأعمال في التخصصات العلمية.
كل الكتاب وبجميع اللغات والأجناس همهم
واحد هو أن يصلوا إلى قارئهم ، وأن يسلطوا الضوء على أمراض مجتمعاتهم، وقد يواجهوا
صعوبات وضغوطات لكي يخرجواا بكلماتهم وآرائهم إلى العلن وبشكل مباشر فلا ييأسون
ولا يستسلمون ، فذلك بيدبا الحكيم الهندي الذي استخدم حيواناته المتخيلة وأدار
حوارات ولقاءات ينتقد فيها الظلم وأطلق عليه كليلة ودمنة الذي ترجمة عبدالله بن
المقفع. وجاءت "رسالة النمر والثعلب"؛ لسهل بن هارون وقصص "ألف
ليلة وليلة"، و"البخلاء"؛ للجاحظ و"رسالة التوابع
والزوابع"؛ لابن شهيد و "رسالة
الغفران"، و"رسالة الصاهل والشاحج"؛ للمعري ، و"رسالة حي بن
يقظان"؛ لكل من ابن سينا وابن الطفيل.
الفكرة والوعاء والقارئ هو الثالوث
الاصعب في حياة أي كاتب ، ولازال الكتاب يكتبون وقليل من الأفكار يحتفى بها والقليل
هم من يقرأون.
وسام مصلح
7/8/2018
0 تعليقات