يقول أحدهم
سافرت وتركت قريتي الصغيرة التي عشت فيها أكثر من عشرين عاما ألعب في أحيائها وحاراتها المتربه، كل البيوت كانت بيتي وكل نسائها أناديهم "امي" وأنادي رجالها "أبي" . في تلك الأيام لم أكن أعلم أن خارج قريتي يوجد عالم آخر، لم أتخيل يوما أني سأترك أصدقائي ومدرستي ومسجدي . كنت أنام قرير العين أحلم أيضا بقريتي وأهلي فيها. وفي يوم مفاجئ كان لابد أن أترك عالمي وأهاجر (وكنت أول مره أسمع وأفهم كلمة الهجرة) لم تكن هجرتي لله ولا لرسوله كانت هجرة لدنيا وعالم سمعت أنه متقدم ومتحرر ومفتوح. -وكأنني كنت في قريتي لست متقدما ولامتحررا ولم عالمي مفتوح- وفعلا سافرت ورأيت مالم ترى عين أوسمعت أذن في قريتي الصغيره، كانت حياة مترفة وباذخه لاحدود ولاأفق. طبعا لاأخفيك أني أنغمست في تلك الدنيا التي هاجرت لها بكل ما أوتيت من شهوة ولذة وحب للحياة. وأعجبني جدا النظام والقوانين والعدل والرتابة وتقبل الآخر.
وبعد عشرين عاما أخرى قضيتها في بلاد الحرية رجعت لقريتي الصغيره فضاقت علي بما رحبت وامتعضت من شوارعها وحاراتها، وصرت أنتقد مسجد قريتي وتسول لي نفسي أن المصلين فيه جهلاء، وتكبرت على أهلي وجيراني، حتى أمي عندما عرضت علي الزواج من ابنت حينا نظرت إليها وكأنها قامت لتوها بجريمة قتل لروحي.. لم أعد أرى في بيوت حارتي المفتوحه سوى مغارات مظلمة.
وبعد مضي أسبوع وأنا في هذه الحالة السوداء، كنت أقرأ كتابا فوردت فيه قصة الإسراء والمعراج
فنتبهت لأمر غريب أن سيد الخلق الذى رأى الجنة رأي العين، ثم عاد راضيآ إلى البادية المقفرة يمشي في شعابها بلا ضجر ولا شكوى ،و رأى الملائكة تطوف بالبيت المعمور، ثم تأذى بصره بالمشركين وهم يطوفون حول الكعبة، {وما كان صلاتهم عندها إلا مكاءً وتصدية} ، فلم يكن منه إلا أن سأل ربه متوسلآ أن يهديهم ، وبعد أن رأى الحور العين لم يتعال على نسائه بل ترفق بهن وبنساء المسلمين ، وبعد أن صلى بالأنبياء فى المسجد الأقصى ، صلى بعامة المسلمين في المدينة المنورة. وقد اندس بينهم المنافقون فلم يشغله ذلك عن صلاته ولم يزده إلا خشوعآ وثباتآ...وبعد أن امتطى البراق عاد ليركب ناقته مترفقاً بها غير متململ من بطئها .وبعد أن شرفه رب العالمين برحلة ما قام بها بشر من قبله و لا من بعده، لم يكن يستنكف أن يتقدم صفوف المجاهدين فى الغزوات حتى شجت رأسه الشريفة !
في هذه اللحظة فقط عادت إلي روحي وعاد عقلي .. ماقيمة هذه الرحلة مقابل رحلته عليه السلام.
فأحدنا إذا ارتقى به الحال وأكرمه الله فيجب عليه أن يتواضع لله وأن يعرف أن الهجرة والرحلة لابد أن تكون لله ولرسوله في كل مناحي الحياة. سواء رحلة إلى بلد جديد أو حصلت على منصب جديد أو درجة علميه جديده أو اشتريت بيت جديد. فالعزة لله ولرسوله.
انتهى كلامه جزاه الله خير
0 تعليقات