لا تعتقد بأنك نسخة فريدة من نوعك بقلم د.وسام مصلح

 من المزالق الشيطانية أن يجعلك تعتقد بأنك نسخة فريدة من نوعك فأنت تمتلك إيمانا وعقلا لا يمكن اختراقهما. 

عندما بدأ نزول القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان بآية واحدة وهي "اقرأ" وكانت ثقيلة جدا على قلب النبي ولم يستطع تحملها وبدأ يرتجف وتدفق الدم في كل عروقه وارتجفت جميع أعضائه حتى ظن نفسه قد أُخذ عقله، فلماذا ياترى؟!!

إن النبي الآن أمام تعلم شيء لم يكن قد ألفه فهو لم يقرأ حرفا واحدا في حياته وكان رده السريع بأنه "ليس بقارئ" وبأن الأمر لم يألفه ولم يعهده سابقا، وحاول التخلص من قوة الوحي الذي أخذ بلحيته ورأسه وغط على قلبه. فهو الآن يعاني ألم التعلم وثقل القراءة ، وهذا الثقل سوف يعاني منه المسلمون بعد النبي إلى يوم القيامة فالقراءة تعتبر من المهام الصعاب على عقل وقلب كل إنسان. ذلك لأنها تعمل على تحريك الساكن وتبدد الظلمات وترفع الجهالات. ولاتعتقد بأن الجهالة هي الأمية فقط، ولكن الجاهلية تحصل حتى لأولئك الذين يملكون أعلى الشهادات العلمية والدينية ومن كل فئات المجتمع من المسلمين وغير المسلمين. 

وبالعودة للنبي في تلك الحالة في تلك الليلة العصيبة التي فتحت له الآفاق ونور الله له الظلمات  سوف تجد أنه وبعد أن اعترف بأنه ليس بقارئ جاءه الرد الحاسم بأن الأمر ليس بقدرته وحوله، فهو سوف يقرأ "باسم ربه الذي خلق"، فهو الذي أوجده هو نفسه من العدم فلن يكون الأمر صعبا عليه بأن يعلمه القراءة ، فهو الذي "خلق الإنسان من علق" من قطعة لحم ليس لها فيها حركة أو حياة، فهو أيضا سوف يحيي قلبك تلك قطعة اللحم التي في صدرك ويجعلها روحا ليس لها حدود من الطاقات، نعم هو الله الذي يخلق مالا تعلمون. ونبينا وفي ذلك الموقف الرهيب يستمر جبريل عليه السلام بتوضيح الأمر أكثر وتعريفه على عظمة الخالق الذي سوف يتعامل معه منذ هذا اليوم فهو سوف يتولى مهمة عظيمة وهي "القراءة" القراءة بدون تخصيص نوع معين .. القراءة وحسب .. وذلك بأمر من "ربك الأكرم" وهي صيغة مبالغة للكرم فالأمر قد تكرر منه سبحانه وتعالى مع كل الأنبياء السابقين بداية من آدم عليه السلام الذي علمه الأسماء كلها بدون معلم ، بل أكثر من ذلك فلقد صار معلم للملائكة وعلمهم الأسماء بدون خطأ أو ريب أو تشكيك. فهو الأكرم الذي كرم بني آدم ، فلقد قال الله تعالى " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا" إنه ربك الذي يتعامل مع هذا الإنسان بكل كرم وتبجيل، ويتابع جبريل عليه السلام حواره المختصر بأن يدل النبي الخاتم على تلك الآداة المهمه في القراءة والتعلم "الذي علم بالقلم" فالقلم هو الآداة الأولى التي خلقها الله وعلم وحدد وسجل كل شيء فيها فلا "يضل ربك ولاينسى" وهذا القلم عبد من عباد الله سوف يبقى إلى يوم الدين هو الراصد والآداه الفعالة في التعليم حتى مع تغير شكله وأساليبه على مر الزمان "أليس لوحة المفاتيح تعتبر قلم" ، أليس القلم الإلكتروني هو قلم، فلا ينحصر خيالك وتفكيرك على شكل معين، فالله يخلق مالا تعلمون يقول الله تعالى "وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" . 

وسوف يعلم الله الإنسان بدون تحديد فئة أو مجموعة أو دين أو عرق ، سوف يكون العلم والقراءة والكتابة والقلم لكل إنسان على وجه هذه الأرض؟ "علم الإنسان مالم يعلم" سوف يستمر وحي العلم والتعلم إلى يوم الدين ، وماهذه الإبتكارات والاكتشافات التي يتفاخر بها الإنسان كل يوم إلا أثر كرم الله . وسوف تبقى خطوات منهج التعلم ثابتة منذ آدم عليه السلام جاءت مرتبة في أوائل التنزيل بأن تقرأ ، وتتفكر، وتستخدم القلم وتثبت ماتعلمته ، وتنشر ذلك العلم. 

فلو بحثت في كل مناهج البحث والإستكشاف ستجد جميعها لن تخرج عن هذه الخطوات الواضحة حتى ولو تزينت بأسماء علميه براقة. 

ومن مزالق الشيطان العظيمة بأنه سوف يقنعك ويوهمك بأن لديك كل ممكنات العلم وأنك أعلم شخص على وجه الأرض ، فلابد أن تقرأ هذه الثمان آيات "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿۱﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿۲﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿۳﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ ﴿٦﴾ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ ﴿٧﴾ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ ﴿۸﴾" فهي ركائز حياتك وسوف تكشف لك مقدار جهلك، ولابد أن تزيل كل عنفوان كبريائك بأن الله هو المعلم الأول ، ولولا الله فلن تفتح لك الفتوحات وإن إلى ربك الرجعى.