سؤال بسيط هل يستقيم المجتمع بالدين أم بالأخلاق؟!،
أخي القارئ لا تحتار، سأسهل عليك المهمة، وأضرب لك مثال، فلو أخذنا خُلق "الصدق" هل يختلف باختلاف الأديان؟!، وسوف أترك لك مساحة من التفكير قبل أن تنتقل للأسطر التالية.
إن المجتمع المتدين لا يعني بالضرورة أنه يحافظ على القيم الأخلاقية. فالقيم الأخلاقية هي نظام فطري يتفق عليها الجميع باختلاف المشارب والأهواء. الأخلاق هي عماد المجتمعات وثروتها مهما تطورنا وتقدمنا ماديا وتكنولوجيا، فبدون الأخلاق لا يمكن أن تقوم حضارة.
إن مصطلح الأخلاق مصطلح واسع كبير فهو يدخل في كل مجالات الحياة وبتعريف بسيط سهل يمكن أن نُعرف الأخلاق على أنها مجموعة من الطباع والصفات التي يتحلى بها الإنسان وتكون طبيعية في أصل خَلقه أو مكتسبة من بيئته وخبرته ويصدر عنها أفعاله وسلوكياته وبشكل متكرر وعفوي. ومجموع هذه السلوكيات والأفعال هي تشكل القيم الأخلاقية التي يؤمن بها الفرد وبالتالي تتشكل قيم المجتمعات.
ومنذ فجر البشرية والأخلاق وقيمها محل دراسة وبحث ابتداءً بإبني آدم هابيل وقابيل وكيف طُبع أحدهم على حب الخير والسلام وقال "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين" وكان رد الآخر سلوكاً عدوانيا كلفه وكلف البشرية ثمناً غالياً "فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين"، إن هابيل وقابيل يعتبران رمزان أحدهما يمثل الأخلاق الخيرة والآخر يمثل الأخلاق الشريرة، وعندما تورط قابيل بقتل أخيه هابيل نزلت الشرائع كلها لتضبط ما تفلت من هذه الطباع وطغى عليها من الحسد والضغينة، وذلك كان واضحا جليا في الآية التي وردت بعد ذكر قصة هابيل وقابيل حيث قال الله تعالي "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناسَ جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناسَ جميعا".
وخُلق الإنسان ضعيفا ملولا، اختلطت عليه نفسه وقلبه وعقله وشيطانه، وعلى مر العصور حاول الكثيرين أن يثبتوا أن الإنسان بدون قيم أخلاقية سيتحول إلى شبيه الحيوانات في الغابات لا يهمه سوى شهواته وغرائزه، لذلك أكثر الفلاسفةُ من البحثَ في هذا الموضوع وخرج علينا أفلاطون بمدينته الفاضلة القائمة على أساس من القيم الأخلاقية التي بها سيتحقق العدل والحياة السعيدة التي تسعى لها كل المجتمعات، وقضى أرسطو التلميذ عمره في فلسفة الأخلاق وترك ألواحه محفورة بالكثيرة من الحكم والعبر التي خبرها وعرفها عبر سنواته الطوال لترويض أخلاق الإنسان فاخرج لنا كتابه (الأخلاق الكبرى).
سلسلة طويلة من الحكماء عبر العصور والسنوات قضوا عمرهم في دراسة هذا الإنسان، وفي هذه السلسة لابد من نجوم لا يمكن الحديث عن الاخلاق والحكم دون أن تعرج عليهم ومنهم كونفوشيوس الحكيم الصيني الذي أسس علم التعامل مع الناس وحسن إدارة حكم البلاد وأمن وطمأنينة الشعب. وبالمناسبة الكونفوشيوسية ليست ديانة ولا يتعبد بها وكونفوشيوس ليس نبيا، بل هو أحد حلقات تلك السلسلة الطويلة من الذين حاولوا أن يأسسوا ويروضوا سلوكيات وتصرفات الإنسان بأن يُرَوِضوا الأخلاق ويأسسوا لهرم القيم.
وعلى رأس هؤلاء هم الأنبياء الذين جاءوا بمنهج رباني قائم على القيم الأخلاقية الفطرية، فستجد كل التوجيهات الإلاهية والنبوية لا تنفك أبدا عن ترويض هذه الرغبات والنزعات البشرية. والدليل أن النبي محمد عليه الصلاة والسلام نشأ في بيئة تعظم الأخلاق من الكرم والشجاعة وغيرها ولكنها كانت معوجة فجاء الإسلام فسوى من هذه القيم الأخلاقية الحميدة وأبطل القيم الأخلاقية البغيضة واختار في كل الأمور الوسط.
حسن الخلق هو الفضيلة التي تأتي قبل الدين، فإذا دخل الإيمان القلب زاد الحسن حسناً. كم من رداء للدين لُبِس على جاهلية، فكانت أصابع النقد والاتهامات تنصب على الدين ونظامه.
الأخلاق هي الفيصل فلابد أن تنمو هذه الأخلاقيات في النفوس منذ الصغر وهي التي نبني بها المجتمع. والدين هو الطائر الذي يرتفع بهذه الأخلاق إلى أعالي السموات، وبذلك تنجو الأمم.
لكل المجتمعات قابلية فطرية للتمسك بالقيم الأخلاقية فيأتي الدين ليضع الإطار الصحيح للتعامل مع هذه الأخلاق.
0 تعليقات