اعلان اسفل القائمة العلوية

header ads

تشبيه مزاجي

دائما مايمر بخاطري كيف لي أن أكون بوجه واحد على جميع الأحوال ، لايعنيني تعليق أحدهم ولايهمني تقليد أحدهم ولاارغب في مسايرة العادات والتقاليد . يمر على عليك في يومك العديد من الأشياء فهناك الذين يبتسمون ويمرحون ولاأعرف لماذا لاأستطيع تحديد صدقهم من كذبهم. فقد وصلنا في هذه الأيام إلى حالة من الهستيريا الإجتماعية التي تخبرك في كل لحظة وتجبرك على أن تطبق المثل القائل "تغدى به قبل أن يتعشى بك" وصلنا إلى مرحلة من القانون المتحضر للغاب، فلقد تجاوزنا مرحلة قانون الغاب الذي دائما ما انتقدت هذه التسمية كيف يكون للغابة قانون ، لكن أخبرني معلم اللغة العربية أنه هذا التشبيه مجازي. وأتوقع أنه تشبيه مزاجي أكثر منه مجازي. 
الإزدواجية في الشخصية هي أسوء مايعيشة إنسان العصر الحالي الذي يريد أن يملأ شغفه من الحياة وهو يلبس عباءة العبادة والطاعة ويتستر بها، فتجد أحدهم يقدم القرابين اليومية من صلاة ونفقات وصدقات وشعائرٍ جامدات ولايهم بعد هذا كله أن ينغمس بالملهيات والمحببات إلى أن تنقلب إلى معاصي ومهلكات. وكأن هذا الخراب والعطب سيمحى بدريهمات وركعات لاتسمن ولاتغني من جوع إذا ماصلحت النية. 
فمن أسس لهذه الإزدواجية الرثة المقيتة، يقول علي الوردي إن الإزدواجية هذه تكونت منذ أن دخل الإسلام في قلوب العرب البدو فتشتت أذهانهم بين القيم الذي جاء بها الإسلام وبين الشهوات والطبائع البدوية التي هي بفطرتهم. وتجلى ذلك أكثر ماتجلى في بداية الخلاف بين بني أمية والخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه واشتد عودة في الخلافات والإمارات الإسلامية المتتالية حتى يومنا هذا ومن العوامل التي ساعدت على هذه الإزدواجية الوعاظ وأساليبهم البعيدة عن روح النفس البشرية فيتعاملون مع الناس بالتخويف والوعيد فإذا جلس الناس إليهم واستمعوا لهم بللوا اللحى بالدموع وشهقوا شهقات الموت حسرة على مافات منهم وطلبا للتوبة والرجوع، وإذا خرج الناس عادوا لما كانوا عليه من الغفلة والمعاصي والذنوب. 
حتى الوعاظ أنفسهم يتمايلون بين الحياة الدينية والحياة الدنيوية فترى أحدهم يشق الآذان ويصرع العقول بصراخه وكأن الله وكله بأن يجعل الناس كلهم مؤمنون. ونسي قوله تعالى "إنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" ، ومن طرف النافذة الأخرى تجده يأكل على موائد الأغنياء وأصحاب السلطات ويفتي بأن التين كالعجين وكل هذا ليرضي ملذاته الدنيوية من سلطة ومنصب وجاه ومال. 
لا أحد ينكر أن النفس جبلت على حب الشهوات وهذا مؤكد في قوله تعالي "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" آل عمران (14). ليس العبرة في المنع من ممارسة الحياة كما خلقها الله ولكن العبرة أن نعيش انفصاما في الشخصية وتنكر ان نفسك تهوى هذه الشهوات وتحاول إيهام الناس أنت ملاك مطهر. العبرة أن نعيش هذه الشهوات التي خلقها لله ولكن بضوابطها التي أيضا أمر الله بها، فلا إفراط ولاتفريط. 
فلو أراد أحدهم الزيادة في ماله فهذا لايتعتبر جريمة ولكن القبح كل القبح عندما تسرق من مكان عملك وتبرر لنفسك تلك الأعمال بمبررات  واهية شيطانية كأن تقول أنها (هدية، وعمولة...الخ) وتزين لنفسك ذلك كله، وفي نفس الوقت أن تتخفى من الناس أن يعلموا بأمرك، وتجد نفسك مندفعا لتحسين صورتك المشوهه بأن تتلبس بكل مظاهر الصدق والأمانة من صلاة وتسبيح والفاظ تلوكها في فمك وكأنك تحاول إزالة ماعلق في قلبك من أثر النفاق. 
التغير الثقافي وعولمة الأرض وخاصة بظهور وسائل الإتصالات الإجتماعية عزز من هذه الإزدواجية وتجاوزتها لتصبح تعددية فنعيش اليوم خليطا من الشخصيات ليس لها ملامح ولا أفق. 

وسام مصلح
24-11-2016



إرسال تعليق

0 تعليقات