طرح الكتاب في البداية بعض المبررات التي تفسر وجهه نظره بأن الحرب
تحدث في حالات استثنائية وليس بشكل شائع كما يعتقد البعض، وتتضح هذه المبررات عبر
ما يلي:
1– التكاليف الباهظة للحرب وطبيعتها المدمرة: أكد “بلاتمان” أنه
بسبب التكاليف الباهظة للحرب، فإن معظم الأطراف تحاول عمل كل شيء ممكن لتجنب
الوصول إلى مرحلة القتال الشامل، ودلل على ذلك بحالة التوتر بين الهند وباكستان؛
إذ إنه على الرغم من المناوشات العديدة بين الجانبين التي تنذر بالحرب، لكن يتبع
ذلك عادةً الهدوء. وفي ضوء إدراك الطرفين مسألة أن الحرب بين الطرفين ستكون مكلفة
بشكل لا يمكن تصوره، فإنهما يسعيان إلى تجنبها منذ عقود.
2– ترسيخ الأدبيات قناعات خاطئة عن الحرب: رأى بلاتمان أن هناك
قناعات وتصورات خاطئة عن الحرب والسلام؛ حيث أشار إلى أن تركيز غالبية الأدبيات
على تجارب الحرب والأوقات التي فشل فيها السلام يعد تحيزاً في الاختيار يشجع معظم
الناس على الاعتقاد بأن الحرب أمر شائع، على الرغم من حقيقة أن القتال هو
الاستثناء وليس القاعدة.
1– وجود حسابات ومصالح غير مقيدة للقادة: أوضح بلاتمان أن الحروب تحدث
عندما يكون للقادة مصالح غير مقيدة، وهو ما يشجعهم على الزج بجماعاتهم أو دولهم في
حروب أو صراعات طويلة؛ وذلك في ضوء أن حساباتهم الشخصية للمخاطرة والمكافأة تختلف
عن حسابات الجماعة. ووفقاً للكتاب، فإن المتغير الحاسم هو كفاءة نظام الضوابط
والتوازنات السائد في المجتمع، وليس بالضرورة مستوى أو درجة الديمقراطية.
2– طغيان الحوافز غير الملموسة على السلام: وفقاً لبلاتمان، يمكن
أن يبدأ الصراع عندما تطغى الحوافز غير الملموسة، مثل الشرف أو الانتقام أو الشعور
بالظلم، على التحيز للسلام، ويمكن للأيديولوجيا والمجد والغضب تضييق مساحة
المساومة، خاصةً إذا كان أعضاء المجموعة يتعاطفون بشكل وثيق مع الذين يُنظر إليهم
على أنهم مستاؤون.
3– حدوث خطأ في حساب التكاليف والعوائد: بحسب “بلاتمان”، يمكن أن
تبدأ الحروب نتيجة عدم اليقين، خاصةً عندما يزداد ثقة أحد الأطراف بالمزايا
المادية أو المعنوية التي يعتقد أنه يمتلكها بالمقارنة بما يمتلكه الخصم. وأشار
“بلاتمان” إلى أنه عندما تكون الظروف غير مؤكدة، فمن السهل أن يخطئ المرء في فهم
التكاليف والعوائد؛ إذ يمكن لأحد الأطراف أن يخطئ في تقدير قوته أو قوة خصمه، أو
الاستجابة المحتملة للمجتمع الدولي، أو شجاعة قادة العدو، أو استعداد شعبه للتضحية
من أجل النصر.
ودلل الكتاب على ذلك باعتقاد إدارة جورج بوش الابن بأنها بحاجة إلى
ضرب نظام صدام حسين في عام 2003 قبل أن يؤدي تطوير العراق لأسلحة الدمار الشامل
إلى زيادة كبيرة في تكاليف حرب مستقبلية على الولايات المتحدة. كما دلل على ذلك
أيضاً بخوض إسبرطة الحرب البيلوبونيسية ضد أثينا قبل صعود الأخيرة ووضع الأولى في
حالة شبه دائمة من الدونية.
شدد الكتاب على أنه لا يمكن مواجهة الصراع إلا إذا فهمنا دوافعه،
وهذا يعني فهم المفاهيم الخاطئة للمعتدين، وأيديولوجياتهم، وخياراتهم الأنانية
استجابة للظروف السابقة. وفي هذا الإطار، طرح الكتاب مجموعة من المسارات أو
الأدوات التي يمكن من خلالها معالجة أسباب الحروب، ومنها ما يلي:
1– العمل على تعزيز سلطة المجتمعات والجماهير: جرى دعم سلطة
المجتمعات: بحسب بلاتمان، عندما أعطت التكنولوجيا أو التنمية الاقتصادية أو الظروف
للجماهير مزيداً من القوة الواقعية – المادية أو الحركية أو العسكرية – فقد
استخدموها لانتزاع تنازلات من قادتهم، بشكل أدى إلى تقييد سلطات هؤلاء القادة. وفي
أوقات أخرى، حصلت شريحة من المحرومين على حق التصويت، وهو ما كان يكفي لدرء
التمرد. ووفقاً لبلاتمان، هناك فرص لا حصر لها لمزيد من المساواة والسلام، مثل
إحداث تغييرات طفيفة في المؤسسات القانونية، وتحولات طفيفة في سلطة الأمر الواقع،
التي تنتزعها المجتمعات شيئاً فشيئاً.
وعلى سبيل المثال، عندما أدخلت البرازيل آلات التصويت الإلكترونية
كان ذلك يعني أن بإمكان الناس رؤية صورة المرشح ورمز الحزب، وهو ما مكَّن الأميين
من التصويت، وكان لهذا تأثير كبير على من يتم انتخابه؛ ما جعل السياسة والإنفاق
تنحاز إلى الفقراء. وفي سيراليون وبنين، أقنع بعض الباحثين الأحزاب السياسية
بتجربة طرق لجعل الناخبين أكثر وعياً والمرشحين أكثر عرضة للمساءلة، مثل عقد
المناظرات والمجالس البلدية والانتخابات التمهيدية، ونتج عن ذلك ناخبون مطلعون
ومرشحون أفضل وشراء أقل للأصوات.
وينطبق الشيء نفسه على التصورات الخاطئة؛ حيث تكون الأمة تحت رحمة
تحيز الحاكم إذا كان يسيطر على السلطة تماماً، لكن عندما يتم تقييد أصحاب السلطة
وإضفاء الطابع المؤسسي على عملية صنع القرار، فإن أخطاء الحاكم يتم تعديلها من قبل
جهات فاعلة أخرى. كما أن المزيد من الأنظمة المفتوحة تنقل المعلومات وتقلل من عدم
اليقين أيضاً. ويمكن للناس التعبير عن دعمهم وقوتهم بطرق لا حصر لها عن طريق
صناديق الاقتراع، وفي الشوارع، ومن خلال الصحافة، أو عن طريق كسب الإعجابات وإعادة
التغريد على وسائل التواصل الاجتماعي.
3– الاستفادة من التحالفات والمؤسسات الدولية: أوضح الكتاب أن
التحالفات الهرمية قوة مهمة من أجل إقرار السلام، مضيفاً أن هذه التحالفات تجعل
الدول المنضوية في إطارها تتفاوض من أجل السلام بدلاً من التشاحن. ووفقاً للكتاب،
يتمثل المثال الواضح على ذلك في الولايات المتحدة وقيادتها لأمريكا الشمالية
وأمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي، كما تمتلك فرنسا والدول الأوروبية الأخرى
شبكاتها الهرمية الخاصة بها، كما تعمل الصين على توسيع نطاق تحالفاتها بشكل مطرد،
وكذلك روسيا. ووفقاً للكتاب، وقد جادل العالم السياسي ديفيد ليك بأن هذه التحالفات
الهرمية قوة مهمة من أجل السلام.
وبحسب الكتاب، فإنه في حين كان عالم السياسة جون ميرشايمر من
المشككين في ذلك، كتب في التسعينيات مقالاً شهيراً يطلب فيه من التيار الداعم
لفكرة دور التحالفات في السلام إظهار المزيد من الأدلة على هذا الأمر. وأشار
ميرشايمر إلى الناتو مثالاً؛ فبينما ساعد في منع تحول الحرب الباردة إلى حرب
عالمية ثالثة، وساعد في الحفاظ على السلام في أجزاء أخرى من العالم، تساءل: ما
الذي يهم حقاً في المؤسسة؟ هل كانت المنظمة واللوائح نفسها؟ أم أن القوة المشتركة
للدول هي التي فرضت السلام في العالم؟ هل يمكننا حقاً أن نقول إن المؤسسة نفسها
فعلت شيئاً أكثر من مجموع أجزائها؟
4– دعم العقوبات المستهدفة بهدف فرض السلام: أشار الكتاب إلى أن
التهديد بالمقاضاة على جرائم الجرب تجبر القادة غير الخاضعين للرقابة على التفكير
في تكاليف الحرب قبل اتخاذ قراراتهم؛ ولذلك رأى الكتاب أن العقوبات المستهدفة قد
تساعد على إرساء السلام. ووفقاً للكتاب، فإذا اعتقد قادة العصابات أن إسقاط الجثث
سيؤدي إلى جلب الشرطة، فإنهم سيحافظون على السلام مع الجماعات المنافسة، وكذلك إذا
توقع الحكام أنه سيتم معاقبتهم على ارتكاب إبادة جماعية، أو على غزو أحد الجيران،
فسيتم ردع الكثير منهم.
ودعماً لحججه، أوضح بلاتمان أنه لا يتم ملاحظة دور العقوبات
المستهدفة في إرساء السلام، مشدداً على أنه بدلاً من ذلك يتم التركيز على الأنظمة
التي تكون رغبتها في انتهاك القواعد قوية جداً لدرجة أنهم يهاجمون شعوبهم أو
جيرانهم على الرغم من العقوبات المتوقعة. ولذلك أكد بلاتمان ضرورة الأخذ في
الاعتبار اللحظات التي قرر فيها حاكم، توقعاً للعقاب، عدم استهداف أعدائه، أو
اختارت فيها أغلبية غير ديمقراطية التسامح مع الأقلية بدلاً من تطهيرها.
وختاماً.. أكد الكتاب ضرورة التطلع إلى خلق ترابط بين المجتمعات،
وتعزيز الضوابط والتوازنات في صنع القرار الحكومي بشأن الحرب، ودعم تدخلات الأطراف
الثالثة المصممة لمنع المشاكل الصغيرة من النمو. وشدد الكتاب في النهاية على أن
الأدوات التي ذكرها ليست كاملة، وأنه لا يوجد مسار أو قالب واحد للسلام، بل توجد
حاجة إلى تطوير أدوات أكثر منهجية وقابلية للتنبؤ.
0 تعليقات