اعلان اسفل القائمة العلوية

header ads

معجمُ العين : قصة أول معجم للغة العربية بقلم رضوان مصلح


  حملَ المسلمون العربُ رسالة الإسلام خارجين بها من جزيرتهمُ الصحراويةِ إلى كلِ العالمِ والأجناس نورًا يرشدُ الناسَ إلى ربّهم، وهذهِ الأقوامُ والأجناسُ لا تعرفُ الإسلامَ فضلًا عن أنّها لا تعرفُ كلامَ العرب، فاهتدى كثيرٌ منهمُ إلى الإسلام ودخلوه أفواجًا بسرعةٍ كبيرة، فبدؤوا بتعلمِ العربية لفهمِ القرآن والحديثِ اللذين هما مَنبعُ دينِهمُ الجديد، واختلطَ هؤلاء الذين أُطلقَ عليهم مصطلح "الأعاجم" فيما بعد بالعربِ المسلمين، فاختلطوا معهم في المساجدِ والأسواقِ واختلطتْ أنسابهم بالزواجِ والمصاهرة كذلك، مخالطةً نتجَ عنها أمران: 

الأولُ إدخالُ الخطأ إلى العربيةِ ومفرداتها و كذا الخطأُ في صياغةِ الجملِ وكسرِ القواعد، فاللغةُ العربية حساسةٌ لدرجة أنكَ إذا غيرتَ حركةً واحدةً من حركاتِ كلماتِها تكونُ بهذه الحالة قد قلبتَ المعنى.

 والأمُر الثاني هو إفسادُ ألسنة العربِ أنفسِهمُ الذين خالطوهم في المدن، فصارَ يقعُ اللحن أي (الخطأ) في كلامِ النّاس من عربٍ ومن عجم، حتى طالَ اللحنُ آيات ِالقرآن الكريم، فتنبه علماء العربيةِ إلى هذا الخطرِ الذي يحدِقُ باللغة وخافوا أن تندثرَ لغتُهم و لن يتأتى بعدَهَا للنّاس فهمُ القرآن الكريم ولا الحديث الشريف وسيُفهمُ الدينُ بحسبِ تفاوتِهم في فهم لغة العرب، وبعيدًا عن المدن التي كَثُرَ فيها اللحن، بقي العربيُّ ابنُ البادية في الصحراء لا ينطقُ إلا بسليقتِه وفطرتِه قُحًا فصيحًا فلا يلحَنُ ولا ينطقُ بركيكِ الكلامِ ولا ينطقُ بما خرجَ عن قانونِ العربِ في ترتيبهم للكلماتِ ونظمهم للجملِ والمعاني، فقعدَ العلماءُ يجمعون مفرداتِ لغتِهم وكلماتِها ويفسرون معانيَها، لحفظِ اللغةِ والدين والثقافةِ والهُويّة، فيسمعون من أهلِ الباديةِ ويقيدون ما يسمعوه في كتُبِهم، ويسمعونَ نشيدَهم لشعرِ الأولينَ الذي أصبحَ فيما بعد حجةً وأصلًا  لقواعد النّحو والإعرابِ والصرف، وذلك الجمعُ هو طريقةُ أهلُ العلم في حفظ لغتهم وهو ليس مقصورًا على العرب، فنحنُ نلحَظُ اليومَ وجود قواميسَ ومعاجمَ لكلماتِ اللغةِ الإنجليزيّة والفرنسيّة وغيرِها حتى اللغاتِ التي اندثرت وماتتْ لها معاجمٌ تملأ المكتبات.

 وأولُ من بدأ بجمعِ كلماتِ العرب، هو الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتابه العين، والمعجم كتابٌ يضمُ بين دَفتيه مفرداتٍ وكلماتٍ لغويةً مرتبةً ترتيبًا معينًا وشرحًا لتلكَ الكلمات، اللغة العربيّة يتجاوزُ عددُ كلماتِها عتبةَ الاثني عشرَ مِليون كلمة، فكيفَ سيقومُ الفراهيدي بجمعِ هذه الكلمات؟ أفادَ الخليلُ بنُ أحمد الفراهيدي من علم الرياضيات بعبقريّة ، حيثُ وصلَ إلى ما أُطلقَ عليه نظامُ التقليبات في الكلمة، وذلك طريق سلكه الفراهيدي حتى يضمنَ أنّه جمعَ كلَ الكلمات العربيّة، ثمَ بدأ بتقليبها، فمثلًا كلمة: عَرَبَ كلمة ثلاثية لها ستُّ تقليباتٍ هي:عَرَبَ و عَبَرَ و رَعَبَ ورَبَعَ وبَرَعَ وبَعَر، ثمّ قام بتفسير وضبط ما استخدمته العرب من هذه التقليبات، وأشار إلى التقليبات التي لم تستخدمْها العرب من ذلك الجذر ولا معنى لها ونعتها (بالمهملة).

ثم السؤال الذي لمعَ في ذهن الخليلِ بنِ أحمدِ ما هو النظامُ الذي سيُرتب فيه هذا البحر والكم الهائل من الكلمات، فخلُصَ اختيارُه ورأيُه إلى تصنيفِ حروف اللغة العربية وترتيبها حَسب مخارجِ هذهِ الأصوات، فبدأ بالحروف التي تخرجُ من أبعدِ مَخرج في الفم وهو: الحلق مثلَ حرفِ العين، وسميت الحروف الحلقية،  ثم الحروف التي تخرج بسبب تحريكِ اللسان مثلَ حرفِ الجيم والسين وسمت الحروف اللسانية، ثم الحروف التي تخرج بسبب تحرك الشفتين وضمهِمَا مثلَ حرف الميم وسميت الحروف الشفوية، ثمّ جعل حرفَ الهمزة وحروف العلة في نهاية كتابه، وقد سُمي كتابه بالعين لأنّ حرفَ العين أبعدُ المخارج ومكانه الحلق، فكان حرف العين فاتحةُ كتابه و أولُ أبوابه.

ويقالُ أنّه قد توفي سنةَ 170 هجرية قبلَ إنهاء كتابه، وأتمّه تلميذُه الليثُ بن المظفر الكناني، وتبعَ كتابَ العينِ الكثيرُ من المعاجم والقواميس العربية: مثلَ معجمِ الجمهرة لابن دريد، ومعجم الصحاح للجوهري، ومعجم لسان العرب لابن منظور، ومعجم تاج العروس للزُبيديّ، وتختلف هذه المعاجم بطريقة ترتيبها وتصنيفها حسبَ ما يراه كلُ مؤلف.  

إرسال تعليق

3 تعليقات

  1. حقيقة شعرت بلذة أثناء قراءة هذا المقال يعطيك ألف عافية وبارك الله في القائمين على هذا الموقع طوعت فكرة المقال بسهولة

    ردحذف
  2. مقال جميل ومميز للأستاذ الفاضل رضوان،أسلوب راق،تشعر وأنت تقرأ أنك تريد أن تنهل المزيد حتى تتزود من المعلومات القيمة في هذا المقال،نرجو منكم نشر الكثير من هذه المقالات. وللعلا دومًا

    ردحذف
  3. طريقة الخليل بن أحمد الفراهيدي في جمع مفردات العربية كانت فكرة ذكية تستحق الوقوف عندها، والإفادة منها فيما يخص المعاجم الإلكترونية بتصميم معجم يعمل بنفس طريقة الخليل بن أحمد ... أبدعت بطريقة عرض المعلومات بمقدمة مشوِّقة، ثمَّ تفصيل سهل ومختصر.... ولاء

    ردحذف