عند كتابة خواطر حول القرآن الكريم فهو ليس من باب التسلية وقضاء الوقت الشيق في حل الألغاز، إنما نريد أن نؤسس لجيل يقرأ ويفهم وينصت ويبصر ويعيش كل حياته بالقرآن.
عندما وصفت أُمنا عائشة خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان خلقه القرآن. أي أن القرآن قد امتزج بكل حركاته وسكناته حتى صار كأنه طبيعة من طبائعه عليه الصلاة والسلام. أعرف مايدور بخاطرك الآن "بأن هذا فقط للنبي" فقد حباه الله بكل الصفات والمقومات التي تجعل هذا الأمر طبيعا له. دعني أناقشك في هذا الأمر قليلا وبروية ، أولا لا أريدك أن تقع في فخ الاستصغار الذي سوف ينصبه لك الشيطان وبكل ذكاء وهي أول خطوة من خطواته ليجرك بعيدا عن أن تكون من الصالحين، فعندما تستصغر نفسك وهمتك وبالتالي ستتوقف عن العمل ثم تكون من الخاسرين. ثانيا أن قضية أن النبي هو نموذج عالي جدا لايمكن الوصول إليه هو صحيح جدا ، ولكن أريدك أن تتفكر قليلا هل توقف الصحابة والتابعين والصالحين عن تقليده واتباعه عليه الصلاة والسلام. طبعا لا!! لأن هناك شعرة بسيطة بين أن يكون نموذجا عاليا لايمكن الوصول إليه وعملية اتباعه وتقليده كلُُ حسب طاقته وماأكرمه الله من الهدى. فالحذر من مزالق الشيطان التي يزينها لك وكأنها حقائق ثم يسقطك في الغفلة ويترك بلا طريق للعودة. فالقرآن يمكن أن يكون ضمن تكوينك وأخلاقك إذا عرفت أن نتمكن من مقاصد الآيات وقرأت القرآن كأنه يخاطبك أنت شخصيا ، فلا تلتفت حولك فأنت المقصود، وأنت المطلوب. فكل النداءات التي ستمر معك في القرآن هي لك أنت فعندما يقول الله تعالى "ياأيها الناس" فأنت من الناس، وإذا قال "يابني آدم" فأنت من بني آدم، وإذا سمعت "ياأيها الذين آمنوا" فأنت من الذين آمنوا، وإذا نادى "ياأيها الذين كفروا" فأنت مطالب بمعرفتهم تماما حتى لاتكون منهم. فيجيب عليك الانتباه لكل النداءات واعرف أن بعد هذا النداء أمر مهم، ودعوة لابد من الإنصات لها. ستجد أن الأنبياء قد نادوا أقوامهم وحذروهم من العصيان والكفر، ولكنهم تجاهلوا التحذيرات والنداءات فماذا كانت العاقبة ، فلقد أهلكهم الله بكافة أنواع العذاب. فإياك أن تكون ممن لايستمع للنداءات . ومن المزالق الشيطانية بأن يوهمك بأنك لست المقصود بكل ماتقرأه من الآيات فتلك أمم عاثوا بالأرض فسادا وتجبروا أما أنت فمؤمن وإيمانك "يزن بلد" وعقلك "يزن أمه بحالها" فكل ماعليك عليك أن تتمعن بالسرد التاريخي لهذه القصص القرآنية البديعة ، واعلم أنها اختيرت لك بعنايه فائقه فكما قال الله تعالى (ورسلا قد قصصناهم عليك ورسلا لم نقصصهم عليك). إياك أن تتجاهل هذه القصص فإن هذا المزلق خطير وعليك أن تعرف نفسك أنك في خطر بالغ لأنه بذلك يحجبك عن معاني القرآن وفتوحاته وبركاته فلم يذكر الله تعالى هذه القصص لتسليتنا، إنما اختار بعض القصص لنفهم سياق علاقة الإيمان بالكفر ، وأن الدين واحد منذ خلق الله آدم إلى يومنا وأن علامات الإعراض عن الحق والعناد كلها بسبب الأصنام الظاهرة أو المعنوية التي يبنيها لنا المجتمع ولانستطيع أن نتحلل منها. قلي برأيك مالفرق بينك وبين "أبولهب" عندما يرفض أن يتبع النبي عليه الصلاة والسلام لأنه يعتقد أنه كبير قومه ويخاف من كلام الناس، وفي المقابل أنت لاتتبع النبي عليه الصلاة والسلام بحجة أن النبي لايُقلد، لأنك في الحقيقة تخاف من كلام الناس بأن يقولوا عنك "ملتزم" أو أنك متبع لسنة النبي عليه الصلاة والسلام. هل هناك فرق؟!!مالفرق بينك وبين قوم شعيب الذين يطففون بالمكيال والميزان ويقولون لشعيب بأن هذه أموالنا نفعل بها مانشاء فما دخل إلهك بنا. وأنت اليوم تأخذ الأموال من غير تحري الحلال وتقدم المبررات الشيطانية لأعمالك.
أرأيت كيف يمكن أن تقرأ القرآن وتستمع لكل النداءات وكأنها لك فأنت المقصود فلا تلتفت حولك.
0 تعليقات